التّخصُّصيّةِ فِي الدّعوَةِ 

 تمهيدٌ عنِ التّخصُّصيّةِ فِي الدّعوَةِ 

التّخصُّصُ الدّعوِيُّ تأصيلٌ له جذورٌ عميقَةٌ فِي سيرةِ النّبيِّ وحياةِ الصّحابَةِ، وإنّ مبادئَ الإتقانِ والإحسانِ التِي دعَا وحثَّ عليها دينُنَا الحنيفُ؛ أَفْرَزَتْ رجالاً بارِزِينَ ومُتقِنينَ في ضُرُوبٍ مختلِفَةٍ مِنْ ميادينِ العلمِ والعملِ ومناحِي الحياةِ المتعدِّدَةِ، بَلْ وأصبَحَ هؤلاَءِ الرِّجالُ مِنَ الصّحابَةِ مضرِبَ مثلٍ ومرجِعًا اشتهرُوا بهِ وظهرُوا علَى أقرانِـهم، وعُرِفُوا بألقَابٍ تدُلُّ عليهَا، تُذْكَرُ دائِمًا مقرُونةً بِأسمائِهِمْ لِتُخلِّدَ ذكرَاهُمْ فِيمَا هُمْ فيه ضالِعِينَ ومُتَمّكِّنينَ.
فعندَمَا نذكُرُ خالِدَ بنَ الولِيدِ يُذكَرُ لقَبُهُ الذِي لقَّبَهُ إِيّاهُ رسُولُنَا الكرِيمُ قرينَ اِسمِهِ "سيفُ اللهِ المسلولِ" ممّا يعطِي دَلالَةً علَى بُرُوزِهِ فِي جانبِ القِيادَةِ العسكرِيَّةِ، وبالمثلِ؛ عندَ ذكرِ بِلاَلَ بنِ ربَاحٍ، يُذكَرُ دائِمًا بأنّهُ مُؤذِّنُ الرّسولِ صلى الله عليه وسلم


فِي مقالٍ بعنوانِ "التّميُّزُ فِي الاِختصاصِ عندَ الصَّحابةِ" بموقِعِ (بصائِر) الإلكترونيّ، يقولُ كاتِبُ المقالِ
"فَمِنَ الصَّحابَةِ مَنِ اِشتغَلَ بالجهَادِ فأَبْلَى بلاَءً حسَنًا، ومِنهُمْ مَنِ اشتغَلَ بالعلمِ فأَبْدَعَ وحفِظَ للأُمَّةِ مصادِرَ دينِهَا، ومِنهُمْ مَنِ اشتَغَلَ بالتّربيةِ والتّوجيهِ والتّعليمِ فساهَمَ فِي إعدَادِ الفردِ والأُسرَةِ والمجتمَعِ لتحَمُّلِ المسؤوليّاتِ، ومنهُمْ مَنِ اِشتَغَلَ بالقضاءِ والإفتاءِ، فحفِظَ الأمنَ وسلاَمَةَ الأفرادِ والجماعَاتِ مِنَ الزَّللِ والخطَإِ، ومنهُم مَنِ اِشتغَلَ بالتّجارَةِ ليُعزِّزَ اقتِصادَ المسلمِينَ ويُؤمِّنَ لَهم أمنَهُمْ فِي الغذَاءِ والكسَاءِ وغيرِهِمَا


ولاَ يَعِيبُ صاحبُ تخصُّصٍ صاحِبَ تخصُّصٍ آخَرَ ما دَامَ الجميعُ يعملونَ لِمشرُوعٍ وهدَفٍ واحِدٍ، بَلْ ترَاهُ يحترِم توجُّهَ الآخرِينَ إلَى تخصُّصاتٍ غيرَ التّخصُّصِ الذِي هُوَ فيه ويُتقِنُهُ، وقَدْ عِيبَ علَى أبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه كثرَةَ روَايَتِهِ لِحديثِ رسولُ اللهِ ، فقالَ: "إنَّ النَّاسَ يقولُونَ: أكثَرَ أَبُو هُريرَةَ، ولولاَ آيتَانِ فِي كتَابِ اللهِ تعالَى ما حدَّثتُ حدِيثًا، ثُمَّ تلاَ قولَه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ... إلى قوله: وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. [البقرة:159-160]، ثُمَّ قالَ: إنَّ إخوانِي مِن المهاجرِينَ كانَ يشغَلُهُم الصَّفَقُ بالأسواقِ، وإِنّ إخوانَنَا مِنَ الأنصارِ كانَ يَشغَلُهُمْ العَمَلُ فِي أموالِـهِم، وكُنتُ ألزَمُ رسُولَ اللهِ، فأشهَدُ إِذا غابُوا، وأحفَظُ إذَا نَسُوا" الحديث 


إذًا هُو الِاختصاصُ، فقَدْ تميّزَ الصَّحابةُ رضي الله عنهم فِي تخصُّصَاتِـهِمْ المتعدِّدَةِ والمتنوِّعَةِ، وكانُوا مثَالاً يُحتَذَى فِي التزامِ الصِّدقِ والدِّقَّةِ والإبداعِ والإتقانِ فِي شتَّى الفُنونِ والأعمَالِ، مِـمَّا يَصعُبُ حصرُهَا أو جمعُهَا، وهِيَ مبثُوثَةٌ فِي كتُبِ الحديثِ النّبويِّ والسِّيرَةِ والتّراجِمِ ..."


ويقولُ صاحبُ المقالِ أيضًا
"بينَ أيدِينَا في هذَا الموضوعِ حديثٌ صحيحٌ، يضعُ فيهِ النّبيُّ المعصومُ  أبرَزَ التّخصُّصاتِ التِي أتقنَهَا صحابَتُهُ الكِرامُ فِي عصرِهِمْ، وأدَقَّ الفنُونِ التِي أبدَعُوا فِيهَا، وأَمْيَزُ الصِّفاتِ التِي تحلَّوْا بهَا، ليُشكِّلَ منظُومَةً متكامِلَةً مِن التّميُّزِ، تَنْتَظِرُ منَّا أَنْ نقتبِسَ مِنْ نُورِهِمْ، وَأَنْ نَقيسَ أعمالَـهُمْ معتبِرِينَ، قالَ الله تعالى: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [الحشر:2]
إنَّ هذَا الحديثَ النّبوِيَّ الشّريفَ معلَمٌ مِنْ معالِـمِ التّربيَةِ الإسلامِيّةِ، ويُؤسّسُ لِمفهُومِ الحُرِّيّة العِلميّةِ فِي تعدُّدِ الِاختصاصاتِ وتنوُّعِ الكفاءَاتِ فِي شتّى المجالاتِ لتَصُبَّ كُلُّهَا فِي خدمَةِ الِاكتفاءِ الذّاتِيِّ للمجتمَعِ والأمَّةِ الإسلاميّةِ


فعَنْ أنَسٍ قالَ: قال رسُول الله : «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ»
ويُسهِبُ عبدُ السّتّارِ الْمَرْسُومِيُّ فِي مقالتِهِ بعنوان "توزِيعُ المهامِ وِفقَ المهارَاتِ فِي عصرِ النُّبُوّةِ" بموقِعِ الأَلُوكةِ الثّقافِيّة في عدِّ التّخصُّصاتِ التِي برَزَ فيهَا بعضُ الصّحابَةِ، فيَذْكُرُ ما يأتي


"ولَقد كانَتْ هذه سيَاسَةُ رسولِ اللهِ محمد صلى الله عليه وسلم فِي

توزيعِ المهمَّاتِ بينَ أصحابِهِ رضي الله عنهم، فنجِدُ فِي سيرته صلى الله عليه وسلم في هذَا المجالِ

القرآنُ الكريمُ وعلُومُه: قالَ رسولُ اللهِ محمد صلى الله عليه وسلم : «اسْتَقْرِئُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ» 


الاستشارَةُ: وكانَ رسُولُ اللهِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم يستشيرُ بعضَ أصحابِهِ فيِ كثِيرٍ مِنَ الأُمُورِ المتعلّقَةِ بشُؤونِ الآخرِينَ وشؤُونِ الدّولَةِ، ولَعلَّ أبرَزَهُمْ أَبُو بكرٍ الصّدّيقُ وعُمَرُ بنُ الخطّابِ -رضي الله عنهمَا- حيثُ كانَا مستشارَي النّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وبهذَا كانَتْ وظِيفَةُ المستشَارِ الخاصِّ مِنْ نصِيبِهِمَا


يقُولُ عبدُ اللهِ بنُ عبّاسٍ -رضي الله عنهما-: وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ، يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي، فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَحَسِبْتُ إِنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ  يَقُولُ: «ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ»
كمَا أَنّ لَهُ صلى الله عليه وسلم مستَشَارِينَ آخرِينَ؛ فقَدْ قالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلِي نَبِيٌّ إِلا قَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ رُفَقَاءَ نُجَبَاءَ، وُزَرَاءَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: حَمْزَةُ، وَجَعْفَرٌ، وَعَلِيٌّ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَالْمِقْدَادُ، وَحُذَيْفَةُ، وَسَلْمَانُ، وَعَمَّارٌ، وَبِلالٌ" .
الأمانةُ العامّةُ: نسمَعُ ونَرَى فِي المؤسّسَاتِ الكبيرَةِ وُجُودَ مَنْ يُعرَف بالأمينِ العامِّ؛ حيثُ يضطَلِعُ المكلَّفُ بهذِهِ الوظيفَةِ بمهامٍ عدَّةٍ علَى درَجَةٍ مِنَ الأهمّيّةِ، وقَدْ أَوكَلَ النّبيُّ محمد صلى الله عليه وسلم هذِه المهمّةَ للصّحابِيِّ أبِي عبيدةَ عامرِ بنِ الجرّاحِ رضي الله عنه، فيقُولُ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ"


رئيسُ الشُّرطةِ: وقَدْ أُسنِدَتْ مُهمّةُ الحمايَةِ للأمنِ الدّاخلِيِّ، سواء فيمَا يتعلَّقُ بأمنِ رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شخصيًّا، أَوْ بالأمنِ الدّاخلِيِّ للدّولةِ الإِسلامِيّةِ، إلى مَنْ يمتلِكُ المهارَةَ اللاَّزمةَ لها، وقد كُلِّفَ الصّحابيُّ قَيْسُ بنُ سعدٍ بنُ عبادَةَ الأنصارِيِّ رضي الله عنه بمهمّةِ رئاسةِ الشُّرطةِ؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «إِنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ كَانَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ ، بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الأَمِيرِ»


أمانَةُ سِرِّ المراسلاَتِ
: حيثُ كانَتْ مِنِ اِختصاصِ الصّحابِيِّ مُعَيْقِيبَ بنِ أبِي فاطمَةَ الدُّوسِيِّ رضي الله عنه، فيُحدِّثُ إياسُ بنُ الحارثِ بنِ الْمُعَيْقِيبِ، عن جَدِّهِ، قال: «كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ  مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيٌّ عَلَيْهِ فِضَّةٌ»، قَالَ: فَرُبَّمَا كَانَ فِي يَدِهِ، قَالَ: «وَكَانَ الْمُعَيْقِيبُ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّ »
فقَدْ كانَ مُعَيْقِيبُ رضي الله عنه يختِمُ الكُتبَ والمراسلاَتِ الصّادرَةَ مِنَ النّبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم إلى الآخرينَ، سواءٌ كانُوا مُلوكًا أمْ غيرَهُم


النّاطقُ الرّسميُّ: وكانَ خطِيبُ رسولِ اللهِ محمد صلى الله عليه وسلم الصّحابيُّ ثابتُ بنُ قيسٍ بنِ شمّاسٍ رضي الله عنه يتكلّمُ نيابَةً عَنْ النّبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم، فحينَ جاءَ مُسَيْلِمَةُ الكذّابُ إلى المدينة المنوّرَةِ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ  وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: خَطِيبُ رَسُولِ اللَّهِ ، وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ قَضِيبٌ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ، فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ: إِنْ شِئْتَ خَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الأَمْرِ، ثُمَّ جَعَلْتَهُ لَنَا بَعْدَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ : «لَوْ سَأَلْتَنِي هَذَا القَضِيبَ مَا أَعْطَيْتُكَهُ، وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أُرِيتُ، وَهَذَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، وَسَيُجِيبُكَ عَنِّي»
التّرجمَةُ: فعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ  أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ قَالَ: «إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابٍ» قَالَ: «فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ» قَالَ: «فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ، وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ»، وعن زيدِ بن ثابتٍ، قالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ أَنْ أَتَعَلَّمَ السُّرْيَانِيَّةَ»
لَقَدْ أبدَى زيدُ بنُ ثابِتٍ رضي الله عنه مهارَةً عاليَةً وأداءً متمَيِّزًا جِدًّا، وسُرعَةً فِي الإنجازِ؛ حينَ تعلَّمَ اليهودِيّةَ فِي نصفِ شَهْرٍ، والسُّرْيَانيَّةَ فِي (17) يومًا، والفارسيَّةَ فِي (18) يومًا
أمورُ الحلالِ والحرامِ: أسنَدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُهمَّةَ الإجابَةِ عنِ الحلاَلِ والحرَامِ للصّحابيِّ معاذَ بنِ جبَلٍ رضي الله عنه؛ فقَدْ قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "..وَأَعْلَمُهُمْ بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ.."
القضاءُ: فقَدْ كانَ الصّحابيُّ علِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ رضي الله عنه متوَلّي شُؤونَ القضاءِ؛ فَقَدْ كانَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضي الله عنه يقولُ: "أَقْضَانَا عَلِيٌّ.." ، ويقصِدُ عَلِيَّ بنَ أبِي طالِبٍ رضي الله عنه


الأذانُ: علَى الرّغمِ مِنْ أهمِّيّة الأَذانِ فِي الإسلاَمِ، وعِظَمِ أجرِهِ؛ الأمرُ الذِي جعَلَ معظَمَ الصّحابَةِ يَطمَعُ فيهِ، فإنَّ رسُولَ اللهِ محمّدًا صلى الله عليه وسلم عدَّهُ صنعَةً خاصّةً، فَلَمْ يُكلِّفْ أيًّا كانَ، ولَـم يُسنِدْهُ لِكُلِّ مَنْ يَطلُبُ الأجرَ، بَلْ مَنَحَهُ للذِي يمتلِكُ أدوَاتِهِ
فعن ابنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قال: كَانَ المُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاَةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ اليَهُودِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلاَ تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلاَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «يَا بِلاَلُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاَةِ»
ثُم كانَ لرسولِ اللهِ محمد صلى الله عليه وسلم أربعَةُ مؤذِّنينَ، اثنانَ بالمدينَةِ، هُمَا: بلاَلُ بنُ ربَاحٍ رضي الله عنه، وهُوَ أوّلُ مَنْ أذَّنَ لرسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وعَمْرُو بنُ أُمِّ مكتُومٍ القُرَشيُّ العامِرِيُّ الأعمَى رضي الله عنه، وبِقُبَاءَ سَعْدُ القُرَظِ رضي الله عنه مَولى عَمّارَ بنِ ياسِرٍ -رضي الله عنهمَا- وبمكَّةَ أبُو محذُورَةَ رضي الله عنه، واسمُهُ أَوْسُ بنُ مغيرَةَ الجُمَحِيُّ


العلاقاتُ الخارجيّةُ: تحتاجُ وظيفَةُ العلاقَاتِ الخارِجيّةِ إلَى مواصفَاتٍ خاصّةٍ، لاَ يمتلِكُهَا الكثيرُ مِنَ النّاسِ، لعلَّ مِنْ أهمّهَا الإمكانيَةُ العالِيَةُ للحوارِ والدّهاءُ السّياسِيُّ، وكذلِكَ معرِفَةُ لُغَةِ القومِ الذِينَ يُبْعَثُ إليهم الفردُ، ويمكنُ إضافَةُ الأناقَةِ وغيرِهَا، ومِنْ هذَا المنطلَقِ فقَدْ اختَارَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم بعضَ أصحابِهِ المتميّزينَ والملائمِينَ لهذِهِ المهمَّةِ، ومِنهُمْ:
• أرسَلَ دِحْيةَ بنَ خليفَةَ الكلبِيَّ رضي الله عنه إلَى قيصَرَ، وهُوَ هِرَقْل.
• أرسَلَ عبدَ اللهِ بنَ حُذَافَةَ السّهمِيَّ رضي الله عنه إلَى كِسرَى.
• أرسلَ حاطِبَ بنَ أبِي بلْتَعَةَ رضي الله عنه إلَى المقوِقِسِ صاحِبِ الِإسْكَنْدَريّةِ
• أرسَلَ عَمْرَو بنَ أُمِّيَّةَ الضَّمرِيَّ رضي الله عنه إلى النّجاشِيِّ ملِكِ الحبشَةِ، "فَلَمَّا أَتَى عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ النَّجَاشِيَّ وَجَدَ لَهُمْ بَابًا صَغِيرًا يَدْخُلُونَ مِنْهُ مُكَفِّرِينَ, فَلَمَّا رَأَى عَمْرُو ذَلِكَ وَلَّى ظَهْرَهُ الْقَهْقَرَى, قَالَ: فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْحَبَشَةِ فِي مَجْلِسِهِمْ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ حَتَّى هَمُّوا بِهِ، حَتَّى قَالُوا لِلنَّجَاشِيِّ: إِنَّ هَذَا لَمْ يَدْخُلْ كَمَا دَخَلْنَا, قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَدْخُلَ كَمَا دَخَلُوا؟ قَالَ: إِنَّا لَا نَصْنَعُ هَذَا بِنَبِيِّنَا, وَلَوْ صَنَعْنَاهُ بِأَحَدٍ صَنَعْنَاهُ بِهِ, قَالَ: صَدَقَ, قَالَ: دَعُوهُ, قَالُوا لِلنَّجَاشِيِّ: هَذَا يَزْعُمُ أَنَّ عِيسَى مَمْلُوكٌ, قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِي عِيسَى؟ قَالَ: كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحُهُ, قَالَ: مَا اسْتَطَاعَ عِيسَى أَنْ يَعْدُوَ ذَلِكَ" 
• أرسلَ مُعاذَ بنَ جبَلٍ رضي الله عنه إلى اليمَنِ، داعيًا إلى الإسلامِ، فأسلَمَ جميعُ ملُوكهِمْ؛ كذِي الكِلاَعِ، وذِي ظَلِيمَ، وذِي زَرُودَ، وذِي مَرَّانَ، وغيرِهِم.
• أرسَلَ العَلاَءَ بنَ الحضْرَمِيَّ رضي الله عنه إلَى المنذِرِ بنِ ساوَى العَبدِيِّ ملِكِ البحرَينِ.
• أرسَلَ سلِيطَ بنَ عَمرٍو رضي الله عنه إلَى هوذَةَ بنِ علِيٍّ، الملِكِ علَى اليمامَةِ.

إنتقل للخطوة القادمة