يجبُ علَى الدّاعيةِ المبتدِئ اكتسابُ وتعلُّمُ الكثيرِ مِنَ المهاراتِ والقُدُراتِ الضّرُوريّةِ التِي تُؤهّلُهُ للعمَلِ فِي السّلكِ الدّعوِيِّ، لِيكونَ جهدُهُ فيهِ ذا أثَرٍ ملمُوسٍ
وَإِنّ فترَةَ بناءِ هذِهِ المهارَاتِ والقُدُراتِ قَدْ تطُولُ غيرَ أنَّها مرحلةٌ ضرُوريّةٌ فِي حياةِ الدّاعيةِ، والذِي يكونُ -فِي الواقِعِ- قد اكتَسَبَ عددًا مِن المهارَاتِ والقُدُراتِ خِلالَ فترَةِ دراستِهِ الجامعِيّةِ أو عملِهِ الوظِيفِيِّ، ولِذَا فيُمكِنُهُ البدءُ والِانطلاَقُ فِي العملِ الدّعوِيِّ؛ اعتمَادًا علَى ما لديهِ مِنْ مهارَاتٍ وقُدُرَاتٍ مُكتَسَبَةٍ، مع تحسِينِهَا وتطويرِهَا خِلالَ مُضِيِّهِ فِي دَربِ الدّعوةِ
إنّ عبارَاتِ "أنَا لستُ جاهِزًا أو مُؤهَّلاً بما يكفِي" و "سوفَ أبدَأُ العملَ الدّعويَّ عندَمَا أشعُرُ بأنِّي جاهِزٌ ومُتمَكِّنٌ"، هذِه العباراتُ التِي يرَدّدُهَا بعضُ الصّالِحينَ ما هيَ إلاَّ نتيجةُ فهمٍ سقيمٍ لِمقتضيَاتِ الدّعوةِ، إذ بناءً علَى هذِه المفاهيمِ المغلُوطةِ قد لاَ يَبْدَأُ المسلِمُ بأيِّ عملٍ دعويٍّ علَى الإطلاقِ؛ اِعتمادًا علَى هذِه الحُجّةِ الواهيةِ والتِي قَد يَنْسِفُهَا توجيهُ نبِيِّنَا الكريم بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً
وعليهِ؛ فعَلَى المسلِمِ أَلاَّ ينتظِرَ السّنينَ الطّوالَ حتّى يحوزَ العِلمَ الشّرعِيَّ ويَتمَكَّنَ مِن أسالِيبِ الدّعوَةِ، بَلْ عليهِ مُباشرَةً إبرازُ جُهدِه الدّعويِّ بما لديهِ مِنْ معارِفَ ومهارَاتٍ وقُدُراتٍ
وكمَا أنَّ عليهِ الاستمرارَ فِي اكتسابِ العلمِ الشّرعيِّ والمهارَاتِ والوسائِلِ التِي تمكّنُهُ مِن وُلوجِ عالَـمِ الدّعوَةِ الواسعِ، فعلَيهِ كذلِكَ أَنْ يبدَأَ جُهدَهُ الدّعوِيَّ حَالاً اعتمَادًا علَى ما لَديهِ مِن العِلمِ والمهاراتِ والقُدرَاتِ
وبعبارةٍ أُخرَى، علَى الدّاعيةِ الِانطلاقُ مِنْ نِقاطِ قُوّتِهِ والبناءَ عليهَا وتحسِينُهَا وتطوِيرُهَا بشكلٍ مستمِرٍّ مَع الأخذِ بعينِ الاِعتبارِ أهمّيّةَ اكتسابِ مهاراتٍ وقُدرَاتٍ جديدَةٍ
يرَى الكاتِبُ (ايان ماكديرموت-ويندي جاجو) فِي كتابِ -مُدرِّب البرمجةِ اللُّغوِيّةِ العصبِيّةِ- "الدّليلُ الشّامِل لتحقيقِ السّعادةِ الشّخصيّةِ والنّجاحِ المهنيّ"
أَنّ هنَاكَ بعضَ الأشخاصِ الذِينَ يؤمنونَ إيمانًا راسِخًا بِبَذلِ الجهدِ ومحاولةِ إصلاحِ وتحسينِ نقاطِ ضُعفِهِم الشّخصيّةِ، لكن التّطرُّفَ فِي اتّباعِ هذَا الأسلُوبِ يعنِي أنّك سوفَ تُضيِّع الكثيرَ مِنَ الوقتِ والجهدِ هباءً لمعالجةِ نقاطِ قُصورِك، بينمَا سوفَ يُسَيْطِرُ عليكَ في العادةِ الشّعورُ بالبُؤسِ وانعدامُ القيمةِ بدلاً مِنْ إدراكِ نِقاطِ قُوّتِكَ والاِستمتاعِ بهَا
ففِي الوقتِ الذِي يبدُو فيهِ اكتسابُ مزيدٍ مِن القُدراتِ عاملِاً مُثرِيًا، فليس هُناك ما يُجبِرُك علَى مُواصلةِ فعلِ مَا لا تُجيدُه أو مواصلةِ الشُّعورِ بصعوبَةِ ما تَسعَى لإِنجازِه، ما لَـم تَكُنْ هذِه رغبتك، إنّ النّجاحَ والإنجازَ سَوفَ يحقّقانِ لكَ كثِيرًا ما يعودُ بِه عليكَ الفشلُ المتكرِّرُ
نحنُ لا نقُولُ: إنّكَ لا يجبُ أَن تَسعى لتحسينِ قُدراتِك في شيءٍ قد يكونُ هامًّا بالنّسبةِ لكَ، سواءً مِنْ خِلالِ سعيِكَ لأَنْ تكُونَ أبًا أفضلَ أو مُديرًا، أو تتفوّق في الطّيرَان الشِّراعيِّ. وإِنّ اكتسابَ البراعةِ فِي أحدِ الأشياءِ يعنِي المعالجةَ الإيجابيةَ لأوجُهِ القُصُور، ولكنّ أحدَ أفضلِ الطُّرُقِ للقيامِ بذلكَ هُو أَنْ تتعرَّفَ علَى مواطِنِ قُوّتِكَ وتُرَكّز عليها، تشرَحُ البرمجةُ اللّغويّةُ العصبيَّةُ بوضوحٍ أنّهُ على الرّغمِ مِنْ الجُهدِ الذِي نَبذُلُهُ لتَحقِيقِ التّفوّقِ...."
قاعدَةُ (20/80) هيَ إحدَى القواعِدِ البسيطةِ فِي ظاهرِها والواسعَةِ فِي تطبِيقاتِـهَا، وقد أشارَ (رِيتْشَارْد كُوخْ) إلى هذهِ القاعدةِ في كتابهِ (The 80/20 Principle, The secret of achieving more with less) وكانَ باريتُو الاِقتصادِيُّ الإيطاليُّ هو أوّل مَن اكتشَفَ القاعدةَ عامَ 1897م، وَهذهِ القاعدةُ فِي مفهومِهَا الأساسيِّ تقُولُ إِنّ 80 % مِنْ أهدافنَا يُمكِنُ تحقيقَهَا بالتّركيزِ علَى 20 % مِن الأسبابِ، ولكن دعُونَا نُلقِي نَظرَةً أعمَقَ علَى مَا يَعنِيه ذلِكَ
نلاحِظُ أنّ قاعدَةَ (20/80) تتجَسّدُ فِي كثيرٍ مِن الجوَانِبِ فِي حياتِنَا اليومِيّةِ، فعلَى سبِيلِ المثالِ: هلْ لاَحَظتَ أَنّ 80 % مِن العملِ يقُومُ بهِ 20 % مِن الموظّفِينَ الجادِّينَ، بينَمَا يقُومُ البقيّةُ بأداءِ 20 % مِن العملِ؟ ويُلاحِظُ كثيرٌ مِن التُّجارِ أَنّ 80 % من المبيعاتِ
تأتي مِن 20 % مِن المنتجاتِ، وأنَّ 20 % مِن العُملاءِ يشكِّلُون 80 % مِن دَخلِ الشّرِكة
كيف أستفيدُ مِنَ القاعدَةِ في حياتِي؟
العالَـمُ يزدَادُ تعقِيدًا؛ وتزدَادُ صعُوبَةً إدارَةُ الأحدَاثِ وتوجِيهُهَا معَ ازدِيادِ تدَفُّقِ المعلوماتِ والأرقامِ والإحصائِياتِ، وتبرُزُ هنَا قاعدةُ (20/80) لتُقَدِّمَ لنا الحلَّ، فركِّز أَخي 80 % مِن جُهودِكَ علَى 20 % مِن الأهدافِ، واترُكِ للباقِي الـ 80 % مِن الأهدافِ 20 % فقَط مِن الجُهدِ، وستُحَقّقُ وِفْقًا لهذِهِ القاعدَةِ أكثرَ مِن 80 % مِن النّتائِجِ المرجوّةِ
فإذَا كُنتَ علَى سبِيل المثالِ مندُوبَ مبيعَاتٍ، ولديكَ 100 مُنتجٍ تَعمَلُ علَى بيعِهِ، وترغَبُ فِي تحقيقِ 100000 ريالٍ كهدَفٍ، فإنَّ تركيزَكَ علَى 20 % مِن المنتجاتِ المطلُوبةِ بشِدَّةٍ سيُحقِّقُ لكَ 80000 ريّالًا، وسيَكُونُ علَى باقِي المنتجاتِ الـ 80 أن تُحقِّقَ 20000 الباقِيةَ، وبهذِهِ الطّريقةِ تكُونُ قد وفّرْتَ الكثيرَ مِن الجُهدِ
فِي الحياةِ التّعليميّةِ 20 % مِن الموادِ الدِّراسيّةِ ربّما تُشكِّل 80 % ممّا ستَحتاجُهُ فِي حياتِك العمليّةِ لاحقًا، و20 % مِنْ مُحتويَاتِ الكتابِ سيَأتِي منهَا 80 % مِن أسئِلةِ الاِختبارِ، و20 % مِنْ المحاضرَةِ ستُشكِّلُ 80 % مِن العناصِرِ المهمَّةِ جِدًّا، فَعَليك أَنْ تبحثَ بِذكاءٍ عَنْ هذِهِ الـ 20 % لتعطِيهَا 80 % مِن جُهودِكَ، ولاَ يَعنِي هذَا أبدًا إهمالَ باقِي الـ 80 % بشكلٍ كامِلٍ
كيفَ أستفيدُ مِن القاعدَةِ في موضوعِ الدّعوةِ؟
بدَلاً مِنْ تشتِيتِ جُهدِكَ فِي مجالاَتٍ دعويّةٍ كثيرَةٍ ومتنَوِّعةٍ، عليكَ التّركيزُ علَى مجالاتٍ مُحدّدةٍ بحيثُ تكونُ فاعِلِيّتُكَ أكثرَ والأثرُ الحاصلُ أكبرَ وأفضلَ، لِذَا نَنصَحُ كُلّ داعيَةٍ بالعملِ ضمنَ مجالاتِ محدَّدَةٍ حتَّى يُعطِي جُهدَهُ الدّعويَّ ما يستَحِقُّ مِن الوقتِ والطّاقاتِ والقُدرَاتِ، وَإنّ تشتيتَ الجُهدِ فِي فُروعِ الدّعوةِ فِي أحايِينَ كثيرةٍ مضيَعَةٌ للجُهدِ والوقتِ.
وبناءً على مَا سبقَ ذِكرُهُ، فإنَّ منهجيَّة هذهِ الدّورَةِ تُركّزُ بشكلٍ أساسِيٍّ علَى التّخصُّصِ فِي الحِراكِ الدّعوِيِّ لتحقيقِ التّميُّزِ والإتقانِ فِي كُلِّ نشاطٍ أو مشروعٍ دعوِيٍّ، ومِن هذَا المنطلَق، فإنَّ هذه المنهجيّةَ تَقُودُنَا فِي المحصِّلةِ النّهائيّةِ لتحدِيدِ الجوانِبِ الدّعويّةِ التِي تُلائمنَا وتُناسبُنَا أكثرَ كدُعاةٍ
وللوُصولِ إلَى ذلكَ، فإنَّ هذهِ المنهجِيّةَ تعتمِدُ أساسًا علَى ما لديكَ مِنْ تَميُّزٍ ورِيادَةٍ مِن خِلالِ
مهاراتِكَ التِي اكتسبْتَهَا.
هوايَاتِكَ التِي تُحبُّها وتُتقِنُ ممارسَتَهَا.
اهتماماتُكَ التِي تَشغَلُ بالَكَ ووَقْتَكَ.
وتطبيقًا لهذِه المنهجيّةِ، ستَجِدُ فِي قسمٍ لاحقٍ ثلاثَةَ قوائِمَ
قائمَةُ المهاراتِ الدّعويّةِ.
قائمَةُ الهوايَاتِ المتعلّقةِ بالدّعوةِ.
قائمَةُ الميُول والاِهتماماتِ المتعلّقةِ بالدّعوَةِ.
وكمَا تَرى، فقَدْ تَمّ حصرُ هذِه القوائِمِ فِي الجانبِ الدّعويِّ فقَطْ وإِلّا فالقوائِمُ تطُولُ كثيرًا
وَهذا الحصرُ سيُساعِدُك علَى سهُولَةِ الِاختِيَارِ بما يتوافَقُ مَع ما تَراهُ منطبِقًا عليكَ، وبعدَ فراغِكَ مِن تحدِيدِ الاختياراتِ المتوافِقَة مع شخصيّتِكَ، سيَكُونُ بإمكانِكَ تحديدُ مجالاتِ الدّعوةِ الأنسبِ لكَ، وذلكَ بالرُّجوعِ إلَى الجداوِلِ الموجودَةِ في قسمِ "تحديد مجالاتِك الدّعويّة"
يجدرُ بنَا أَنْ نذكُرَ تحديدَ المجالاتِ الدّعويّةِ التِي تُلائمُنَا أكثرَ، وَلاَ يعنِي بالضّرُورَةِ التّقيُّد بتنفِيذِ الأنشطَةِ الدّعويّةِ ضِمنَ هذِه المجالاتِ فقط، وإنّما المقصودُ منهَا التّخصُّصُ فِي هذِه المجالاتِ والتّعمُّقُ فِيهَا بالتّحسينِ والتّطويرِ معَ الحرصِ على تعلُّمِ مهاراتٍ جديدَةٍ؛ والتِي تُمكّنُكَ مِن الولُوجِ بثقَةٍ واحترافيّةٍ لِمجالاَتٍ دعوِيّةٍ أُخرَى